responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 591
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ فَفِيهِ إشكال، وهو أن الْإِنْسَانُ مُلْجَأٌ إِلَى أَنْ لَا يَقْتُلَ نَفْسَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْإِلْجَاءَ قَدْ يَتَغَيَّرُ كَمَا ثَبَتَ فِي أَهْلِ الْهِنْدِ أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ التَّخَلُّصَ مِنْ عَالَمِ الْفَسَادِ وَاللُّحُوقَ بِعَالَمِ النُّورِ وَالصَّلَاحِ أَوْ كَثِيرٌ مِمَّنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الزَّمَانُ، وَثَقُلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ، فَيَقْتُلُ نَفْسَهُ، فَإِذَا انْتَفَى كَوْنُ الْإِنْسَانِ مُلْجَأً إِلَى تَرْكِ قَتْلِهِ نَفْسَهُ صَحَّ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا بِهِ، وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَجَعَلَ غَيْرَ الرَّجُلِ نَفْسَهُ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ نَسَبًا وَدِينًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 54] / وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ غَيْرَهُ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَرَابِعُهَا:
لَا تَتَعَرَّضُوا لِمُقَاتَلَةِ مَنْ يَقْتُلُكُمْ فَتَكُونُوا قَدْ قَتَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَخَامِسُهَا: لا تسفكون دماءكم مَنْ قِوَامُكُمْ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا بِهِمْ فَتَكُونُونَ مُهْلِكِينَ لِأَنْفُسِكُمْ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ، الْأَوَّلُ: لَا تَفْعَلُوا مَا تَسْتَحِقُّونَ بِسَبَبِهِ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ، الثَّانِي: الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ إِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ فِيهِ الْمِحْنَةُ وَالشِّدَّةُ حَتَّى يُقْرُبَ مِنَ الْهَلَاكِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ فَفِيهِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَقْوَى، أَيْ: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بِالْمِيثَاقِ وَاعْتَرَفْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِلُزُومِهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَيْهَا كَقَوْلِكَ فُلَانٌ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَيْ شَاهِدٌ عَلَيْهَا، وَثَانِيهَا:
اعْتَرَفْتُمْ بِقَبُولِهِ وَشَهِدَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ شَائِعًا فِيمَا بَيْنَهُمْ مَشْهُورًا. وَثَالِثُهَا: وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ الْيَوْمَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ عَلَى إِقْرَارِ أَسْلَافِكُمْ بِهَذَا الْمِيثَاقِ، وَرَابِعُهَا: الْإِقْرَارُ الَّذِي هُوَ الرِّضَاءُ بِالْأَمْرِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ كَأَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ لَا يُقِرُّ عَلَى الضَّيْمِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُكُمْ بِذَلِكَ وَرَضِيتُمْ بِهِ فَأَقَمْتُمْ عَلَيْهِ وَشَهِدْتُمْ بِوُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ: أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَقْرَرْتُمْ يَعْنِي أَسْلَافَكُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ الْآنَ يَعْنِي عَلَى إِقْرَارِهِمْ، الثَّانِي: أَقْرَرْتُمْ فِي وَقْتِ الْمِيثَاقِ الَّذِي مَضَى وَأَنْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَشْهَدُونَ، الثَّالِثُ: أنه للتأكيد.

[سورة البقرة (2) : آية 85]
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
/ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ فَفِيهِ إشكال لأن قوله: أَنْتُمْ للحاضرين وهؤُلاءِ لِلْغَائِبِينَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَاضِرُ نَفْسَ الْغَائِبِ، وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: تَقْدِيرُهُ ثُمَّ أَنْتُمْ يَا هَؤُلَاءِ، وَثَانِيهَا: تَقْدِيرُهُ ثُمَّ أَنْتُمْ أَعْنِي هَؤُلَاءِ الحاضرين، وثالثها: أنه بمعنى الذين وَصِلَتُهُ «تَقْتُلُونَ» وَمَوْضِعُ تَقْتُلُونَ رَفْعٌ إِذَا كَانَ خَبَرًا وَلَا مَوْضِعَ لَهُ إِذَا كَانَ صِلَةً. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمِثْلُهُ فِي الصِّلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: 17] يَعْنِي وَمَا تِلْكَ الَّتِي بِيَمِينِكَ، وَرَابِعُهَا: هَؤُلَاءِ تَأْكِيدٌ لِأَنْتُمْ، وَالْخَبَرُ «تَقْتُلُونَ» ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ الْوُجُوهَ، وَأَصَحُّهَا أَنَّ الْمُرَادَ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَقَتْلُ الْبَعْضِ لِلْبَعْضِ قَدْ يُقَالُ فِيهِ إِنَّهُ قَتْلٌ لِلنَّفْسِ إِذْ كَانَ الْكُلُّ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَبَيَّنَّا الْمُرَادَ بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الدِّيَارِ مَا هُوَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 591
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست